الأحد، 18 مايو 2008

ما المقصود بـ carry trade



هل نحن أمام موجة جديدة من الانهيارات في أسواق المال الدولية؟ وهل أتى دور الصين هذه المرة؟ بعد اجتماع وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية في مجموعة الدول الصناعية السبع في العاشر حتى فبراير/ شباط الماضي، كتبنا في “الخليج” مقالاً بعنوان “وزراء المال السبعة أمام امتحان السوق”، أي قبل الامتحان الذي أطاح بكل المكاسب التي حققتها الأسواق المالية الأوروبية في الشهور الستة الأخيرة، والذي كاد يحدث هزة مريعة في الأسواق الآسيوية على ضفاف المحيط الهادئ، بعد تراجع مؤشر بورصة شنغهاي الصينية بواقع 8،8 في المائة من قيمة السوق الاسمية.“Garrytrade” مفردة جديدة بدأت تأخذ مكانها في معجم مصطلحات الأسواق المالية بقوة. وتعني اقدام المستثمرين في الأسواق المالية على شراء عملات، والمقصود هنا الين الياباني، بفوائد منخفضة جداً، لقاء شراء أوعية استثمارية أخرى، وأصول بعائدات أعلى بهدف تحقيق أرباح. وكان كل من رئيس البنك المركزي الأوروبي جون كلود تريشيه، والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي رودريغوراتو، حذرا من المخاطر التي تنطوي عليها تلك العمليات.فجأة، وبلا مقدمات، سارعت مورغان ستانلي، احدى أكبر المؤسسات المالية في العالم التي تصدر تقويمات للأسواق المالية والبورصات الى خفض مؤشرات كل البورصات الآسيوية خارج اليابان. إنما بعد التراجع الحاد الذي قادته البورصة الصينية في الأسبوع الماضي. مورغان ستانلي وغيرها من المؤسسات المشاهبة، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، وميريل لينش، وكريدي سويس فيرست بوسطن، وجولدمان ساكس، كانت كلها حتى قبل انهيار أسواق المال في ،1998 الذي شمل الدول الناشئة في آسيا. نشيد ب”النمور الآسيوية”. حتى إذا انهارت الأسواق، ورتبت خسائر خيالية طالت أسواق أمريكا اللاتينية والشمالية وأوروبا، عادت المؤسسات المالية نفسها الى التحذير من المخاطر، وتقديم النصح الى المستثمرين في هذا الاتجاه أو ذاك.صعدت “العملة المريضة” فجأة. الجمعة في الثاني من مارس/ آذار الجاري. السبب بسيط: ان اسهم قطاعات التصدير الصناعية في اليابان انتعشت بقوة نتيجة تراجع الين والفائدة الأقرب الى الصفر عليه. بعد تحريك بنك اليابان المركزي معدل الفائدة بواقع 0،5 في المائة، وأرباح الصناعة، انقلبت السوق على هواة ال”Carry trade” ولم تعد تجارة رابحة. فكان ما كان. وتشظت ب”الانقلاب” سوق نيويورك بمؤشراتها الثلاثة الرئيسية وأسواق أوروبا، وتبددت ايضاً كل مكاسب مؤشر نيكاي الياباني التي حققها في عام كامل.وحده وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون، قلل من أهمية ما حذر منه تريشيه وراتو في اجتماع وزراء مال مجموعة الدول السبع. وكان رأيه ان المشكلة في اليوان الصيني الذي لا يعكس واقع الحساب الجاري وميزان المدفوعات في الصين.نعم، العين الأمريكية الآن على الصين. تحوز أكبر احتياط عملات في العالم بتريليون دولار أمريكي وبفائض تجاري مع الولايات المتحدة نحو 200 مليار دولار أمريكي.ماذا عن الأسواق؟ صناديق التحوط، التسليفات المبالغ فيها من المصارف لشراء أسهم. والمخاطر التي تنطوي عليها لناحية الاصول المصرفية، وللدائن والمدين على حد سواء؟ لا جواب بعد.لن نستبق التطورات، لقد حفظ العالم عن ظهر قلب قرابة سبعة عشر عاماً، كل دروس العولمة وفروضها ومفرداتها، استخصاص، حوكمة، كشركة استراتيجية، شفافية وافصاح وغير ذلك. هذه “اللوثة المعاصرة” في الاقتصاد العالمي، بغلالتها البراقة التي ترتدي، تصب كلها على لعن الدولة والقطاع العام. وتمجد آليات السوق، والأسواق المالية ومشتقاتها. وفيها جديد كل يوم. الاقتصاد الحقيقي، القاعدة الانتاجية، حق الدولة بسياسة نقدية، ومعايير مصرفية تتلاءم مع حاجات نمو الاقتصاد، ومع التنمية الاجتماعية وخلق فرص عمل جديدة لا علاقة لها بكل ذلك، الأدهي، انها باتت خارج العصر ومحط تهكم وسخرية، تشارك فيهما بحماس منقطع النظير دول متخلفة وفي طور النمو، لم تقم فيها دولة بالمعنى الحقيقي بعد، ولا مؤسسات ناظمة للاقتصاد وأسواق المال. ولا قاعدة انتاجية لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص، وتود الالتحاق ب”روح العصر” والموضة السائدة.ما حصل في بورصة الصين سيتكرر. وسيصيب كل الأسواق المالية. نحن أمام مخاطر جدية بإفلاسات ستضرب مؤسسات كبيرة في النظام الاقتصادي العالمي على نحو أفدح مما حصل في نهاية تسعينات الألفية الثانية. ما لم تتدخل الدولة للحد من جموح الاوعية الاستثمارية التي خلفتها العولمة المشوهة. أوروبا وآسيا وكل العالم شكا طيلة أربع سنوات من الدولار الأمريكي الضعيف، ومن الفوائد المتدنية عليه التي لا تعكس حقيقة الاقتصاد الأمريكي وحجمه. وأدارت الولايات المتحدة ظهرها للمعترضين، حتى اذا حققت معدلات نمو أكثر من 5 في المائة، ومن دون حل مشكلة الوظائف الجديدة، ولاح شبه التضخم، عادت من تلقائها الى زيادة الفوائد، ما يحصل في الأسواق المالية اليوم من عمليات، خصوصاً في صناديق التحوط ومخاطرها، لا علاقة له بالاقتصاد الحقيقي. ويحتاج الى وسائل ضبط سريعة. ومن حق الدول ان تحمي نفسها بسياسات تلائم شروط تطورها. وهيهات ان تسلم في اقتصاد معولم تسيطر على 80 في المائة منه دول اسلست قيادها لكرة الروليت المقامرة، ولمفردات الادوات الاستثمارية في الأسواق المالية. هذه ليست وظيفة الأسواق المالية.

ليست هناك تعليقات: